آيس كريم بالفانيلا

كانت تلتقي به تذكر جيدا كيف قامت بتكحيل عينيها بعد الخروج من المدرسة قبل لقائه،

وكيف قامت بتلميع شفاهها خلسة لتصبحان بلون الكرز الأحمر ..وكيف كان اللقاء الاول ..وكيف ارتعدت أوصالها عندما أمسك بيدها للمرة الأولى ..وكيف كانا يركضان تحت المطر اللذيذ.. وتذكر المصطبة التي كانا يختبأآن تحتها لتناول ساندويش ساخن من الفلافل قبل أن يمسك بهما أحد الواشين ..

وهناك في تلك الزاوية استلمت وردتها الحمراء الأولى ..نعم ..وتلك النكهة آآه.. انها منقوشة بأوراق ذاكرتها ،كيف لا وهي نكهة الآيس كريم بالفانيلا ..الممزوجة بكلمة  " أحبك " .  نعم تعاهدا هناك على اللقاء ثم اللقاء ...

ثم اللقاء مهما كانت الظروف وأنهما سيستمران عشاقا  حتى آخر نبضة يدق بها قلبهما. تمر الأيام و يشق العاشقان طريقهما..يتخرجان من الجامعة متحملان المصاعب في بداية شق طريقهما، أصرت على الرتباط به رغم الفرص الكثيرة التي كانت تعدها بحياة مترفة، لكن ،هي اختارته وكان قرارها فهو ماضيها و حاضرها ومستقبلها وحبها الأوحد و الأجمل ....

..تيماء ..أين أنت شاردة ؟  هل تذكرين أين وضعت الجريدة ؟ أريد قراءتها ،لم يتسن لي ذلك بالمكتب فقد  كنت مشغولا اليوم.

_ نعم انها هناك بجانب التلفاز ،لكن لم تبد لي رأيك بغداء اليوم ألم يعجبك ..؟

يبقى غارقا بين صفحات الجريدة و دون أن يكلف نفسه عناء النظر اليها يرد ببرود :

_لا بأس كان جيدا

ويبقيان غارقان بصمتهما الى ان تبادر هي بالحديث من جديد :هناك مسلسل جديد هذا المساء أظن أنه يستحق المِشاهدة في خضم هذه الفوضى العارمة على الفضائيات ،ألا تشاهده معي ؟

_آسف يا عزيزتي فأنا مضطر للخروج فلدي عشاء عمل!

تبتلع مرارتها وتشيح بنظرها عنه  فيطل العندليب الأسمر ببرنامج من ذكريات التلفاز يغني "أهواك واتمنى لو أنساك" بشاشة الأبيض والأسود...

نعم..تلك أول أغنية أهداها لها

نعم هو نفسه ذاك الشخص الذي يجلس على المقعد المقابل لها الذي يقوم بتغيير المحطة بحثا عن موجز الأخبار! وكأن الأغنية لا تعنيه شيئا.

اغرورقت عيناها بالدمع الذي تجمد في طرفيهما وقالت : لا بد أن حبنا أصبح بالأبيض والأسود... مثل الذكريات

و بعد انتهاء الموجز الذي كان يستمع له بقدسية أخبرته أن يوصلها بطريقه الى منزل صديقتها بالمساء فوافق دون تعليق .. وفي الطريق ها هي بعد تسعة أعوام من زواجهما و بعد قصة حب عنيفة  يمران من نفس الشارع!

نعم ذلك الشارع الذي هو الشاهد الوحيد الآن على قصة حبهما..

نعم هذه نفس الرائحة !!رائحة آيس كريم بالفانيلا..

برقت عيناها كطفلة كانت تائهة وعثرت على طريقها أخيرا فسألته بلهفة :..

قيس، ألا يذكرك هذا الشارع بشيء؟

نظر اليها من خلال نظارته السوداء وأجاب :

_آآه نعم ،هذا الشارع! في آخره استلمت وظيفتي الأولى وعقدت أول صفقة لي كيف لي أن أنسى؟

نزلت كلماته على قلبها مثل الجليد القاسي الذي حطم آخر أمل تملكه ..نظرت اليه بإشفاق وقالت له أنزلني هنا فمنزل صديقتي قريب، أريد أن أكمل الطريق سيرا على الأقدام .

ها هي الآن تمشي وحدها في ذاك الشارع. لا تملك سوى ذكرياتها و بقي السؤال عالقا في ذهنها، لماذا أيها الرجل تصر على التغير؟

أين وعودك وأين ..وأين ..وأين..؟

من السبب؟ هل هي رجولتك الشرقية وكبرياؤك المزيف اللذان يصران على عدم الالتقاء بالحب وان التقيا سرعان ما تحس بجريمتك وتهرع لطلب الغفران ؟

أهو الزمن المادي المتوحش الذي لا مكان للمشاعر الانسانية فيه؟ أم ما أن أرضيت غرورك من خلالي لم أعد أعني لك شيئا..؟ و تابعت طريقها الشاحب وبقيت الصرخة في أعماقها فهل من مجيب ..!

ٌRed Rose